كلمة ألقاها صاحب السمو الآغا خان, لشبونة، البرتغال · 11 يونيو 2019 · 4 دقائق
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة أمينة محمد،
معالي رئيس الجمعية،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
أودُّ وببالغ السرور الترحاب بكم، نيابةً عن مجلس المركز العالمي للتعددية، في فعاليات محاضرة التعددية لعام 2019، التي يستضيفها المركز الإسماعيلي هنا في لشبونة.
يسعدني أن يتم إلقاء المحاضرة السنوية السابعة في البرتغال، وإنني لا أقول ذلك لما يتمتع به هذا البلد الجميل من غنىً كبير في التاريخ والثقافة العالمية وحسب، بل أيضاً لما يتمتع به من انفتاح ودفء كبيرين. وبالنسبة للمؤمنين منا بأهمية دور التعددية في بناء الجسور، تمتلك البرتغال الكثير لتدريسه في هذا المضمار، ولا سيّما وهي تواجه تحدياتها الخاصة.
تنعم هذه البلاد بتاريخ طويل من التعايش المثمر بين المسيحيين واليهود والمسلمين. كُتِبَ تاريخ الأندلس هنا، في شبه الجزيرة الأيبيرية، بين القرنين الثامن والسادس عشر. وقد جلب هذا المزيج - من الثقافات والأديان واللغات - الابتكارات في مجالات الهندسة المعمارية والزراعة والطب، بل وحتى في أطباق الطعام التي أصبحت اليوم ضمن نسيج البرتغال الحديث.
في يوليو من العام الماضي، صنّف مؤشر السلام العالمي البرتغال من بين الدول الخمس الأكثر هدوءاً في العالم، وهذا يرجع لسببٍ وجيه، ففي وقتٍ تصاعدت فيه وتيرة عدم التسامح حول العالم، تبنّى هذا البلد بعضاً من السياسات الأكثر ترحاباً بالمهاجرين في أوروبا. ونظراً لشيخوخة السكان في العديد من الدول الغربية، وهو أحد عوامل تراجعها، تُعد البرتغال من بين الدول القليلة التي أدركت أهمية القادمين الجدد في تأمين مستقبل البلاد.
يعتبر هذا الموقف الترحيبي أحد أكثر المواقف ارتباطاً بقوة التعددية، التي تُعد المهمة الأساسية للمركز العالمي للتعددية. وباعتباره منارة للبحث والتعليم والحوار، فإن المركز يستخلص الدروس من الديناميات السياسية والإجتماعية والثقافية داخل المجتمعات المتنوعة والمنقسمة حول العالم. إنني أشجعكم جميعاً على استكشاف ما يقدمه المركز، ومن خلال التعلم من نجاحات الآخرين، يمكننا مساعدة مجتمعاتنا لـ"تحصين" ذواتها للحد من التناحر بين الناس، وهو التناحر الذي يقود في كثير من الحالات إلى استبعاد السكان المهمشين.
خاضت أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، والتي ستلقي محاضرتها هذه الليلة، رحلة حياة غير عادية، وإننا جميعاً محظوظون لأن نكون قادرين على الاستماع لأفكارها والاستفادة منها، وإنني أنتهز الفرصة لتوجيه الشكر لها.
إن مشاركة السيدة محمد في عملية التنمية العالمية نشطة منذ ما يقرب العشرين عاماً، وهي كذلك ملتزمة بشغف بتعليم الفتيات، حيث قامت - في ذاك الوقت - بالتنسيق لإنشاء مجموعة عمل تهتم بتعليم الجنسين على حد سواء من أجل مشروع الأمم المتحدة للألفية. وفي عام 2005، وبوصفها مساعدةً خاصة بارزة لرئيس نيجيريا فيما يتعلق بالأهداف الإنمائية للألفية، كُلّفت بمهمة توجيه الأموال للتخفيف من عبء الديون في نيجيريا وتوظيفها في تحقيق تلك الأهداف. وللتذكير تشير الأهداف الإنمائية للألفية، باختصار، إلى الأهداف الثمانية التي أعطت العالم خطة للتعامل مع أعظم التحديات الإجتماعية والإقتصادية من عام 2000 إلى عام 2015.
أعربت السيدة محمد في البداية عن شكوكها تجاه هذا المشروع، متسائلةّ "كيف يمكن للمرء أن يخفف وطأة التحديات التي تواجه العالم من خلال ثمانية أهداف فقط؟". ولكنها احتضنت الفكرة رغم ذلك. ومن خلال إصرارها الدؤوب، ساعدت على ضمان تخصيص نحو مليار دولار في السنة للحد من الوفيات عند الأمهات، وإتاحة الفرصة أمام المجتمعات المحلية في الحصول على المياه النظيفة، وتوفير مدارس ومدرسين جيدين للطلاب في نيجيريا.
وفي عام 2012، شغلت أمينة محمد مهمة أخرى على الصعيد العالمي من خلال توليها منصب مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في المرحلة التالية من خطة الأمم المتحدة للتنمية، خطة التنمية المستدامة لعام 2030. تمثل التحدي الجديد الذي واجهها في التعامل مع 193 دولة لاستبدال الأهداف الإنمائية للألفية بإطار شامل جديد لعملية التنمية العالمية حتى عام 2030.
وفي إطار وصفها للحقبة الجديدة، قالت السيدة محمد وأقتبس مما قالته: "لم تعد عملية التنمية مسألة تخص القسم الجنوبي من العالم، بل تخص الشمال والجنوب والشرق والغرب". في الواقع، قبلت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومن ضمنها كندا والبرتغال ونيجيريا، و190 دولة أخرى، بالأهداف الإنمائية كأهداف وطنية خاصة بهم. يدعو جدول الأعمال لعام 2030 إلى اتخاذ جميع البلدان إجراءات تخص جميع الناس.
ثم انتقلت السيدة محمد من مرحلة المفاهيم والأفكار في الأمم المتحدة إلى مرحلة التنفيذ في بلدها، حيث وجهت، باعتبارها وزيرة لشؤون البيئة، جميع أعمال نيجيريا فيما يخص تغير المناخ والحفاظ على الموارد، وذلك بهدف تحقيق التنمية المستدامة.
تعتبر السيدة محمد داعية صريحة للعمل العالمي بشأن تغير المناخ، تعليم الأطفال وحماية حقوق الإنسان. وقبل كل شيء، وصفت المساواة بين الجنسين، وهو الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، بـ"الركيزة الأساسية" لتحقيق جميع الأهداف الأخرى.
شغلت (السيدة محمد) مناصب متعددة مثل مديرة وحاكمة ومستشارة في العديد من المجالس، بما في ذلك الشراكة العالمية لبيانات التنمية المستدامة، ومركز كندا الدولي لبحوث التنمية، وبرنامج التنمية العالمية لمؤسسة بيل وميليندا غيتس. وقد حصلت على الكثير من الأوسمة والجوائز، أورد ذلك بشكل مقتضب وعلى سبيل المثال لأني أخشى ألا أترك وقتاً للاستماع إلى محاضرتها.
سيداتي وسادتي، إنه لشرف كبير لي أن أرحب بالسيدة أمينة محمد للقدوم إلى المنصة لإلقاء محاضرة التعددية السنوية لعام 2019.
شكراً لكم.