تقع مدينة نارين وسط جبال جمهورية قيرغيزستان، وتُعرف بمناظرها الطبيعية الخلابة وثقافتها البدوية الغنية. وكغيرها من المدن النائية في آسيا الوسطى، تواجه تحديات تنموية تشمل فصول الشتاء الطويلة، والبنية التحتية المتقادمة، وفرصًا اقتصادية محدودة. وتُفاقم الفيضانات الموسمية والتآكل من المخاطر البيئية في المناطق السكنية، فيما دفع نقص فرص العمل المحلية العديد من الشباب إلى الهجرة نحو روسيا أو إلى وجهات أبعد بحثًا عن الاستقرار.

استجابة للتحديات التي تواجهها مدينة نارين، أُطلق برنامج تعزيز القدرة الحضرية على الصمود في نارين (NURP) في مايو 2022، كمبادرة تمتد على خمس سنوات، بالشراكة مع الجهات المحلية المعنية. ويهدف البرنامج إلى رفع قدرة المدينة على التكيف مع التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى تمكين السلطات المحلية من تطبيق التخطيط الحضري المرن، واستراتيجيات الاستثمار، وتعزيز المشاركة المجتمعية في تنفيذ البنية التحتية المستدامة.

كما يعمل البرنامج بالتعاون مع السلطات الوطنية والمحلية على بناء قاعدة معرفية لفهم مخاطر الكوارث الطبيعية واستراتيجيات الحدّ من آثارها. ويتم تمويل هذه المبادرة بشكل مشترك من قبل الأمانة العامة للدولة للشؤون الاقتصادية التابعة للحكومة السويسرية (SECO)، وشبكة الآغا خان للتنمية (AKDN).

اتخاذ الخطوات الأولى

قبل الشروع في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، أولى برنامج تعزيز القدرة الحضرية على الصمود في نارين (NURP) أهمية قصوى لفهم احتياجات المدينة بشكل معمق.

وقال عمربيك إبراييف، مدير البرنامج: "بدأنا بتقييم متكامل للموئل. درسنا كل شيء: التربة، والمخاطر المناخية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية. هذا منحنا الأساس لتخطيط حلول حقيقية".

لم يقتصر التقييم على تحديد الثغرات في البنية التحتية والمخاطر البيئية، بل أسهم أيضًا في رسم الملامح الاستراتيجية للبرنامج، والتي تشمل: ترميم البنية التحتية العامة، وتعزيز القدرة على التكيف مع المناخ، وتمكين السلطات المحلية والمجتمعات من الانخراط في التخطيط الحضري. وفي إطار إثبات فعالية هذه المنهجيات، أطلق البرنامج سلسلة من مشاريع "إثبات المفهوم" بهدف الاستجابة للاحتياجات المحلية العاجلة، وتقديم نموذج يُحتذى به للتنمية المستدامة.

وشكّلت المشاركة المجتمعية عنصرًا محوريًا منذ الانطلاقة، إذ ساهمت فرق العمل المكوّنة من أبناء المنطقة في تحديد الأولويات، بدءًا من تحسين طرق وصول المشاة، وصولًا إلى تقليص مخاطر الفيضانات المحلية.

البناء من أجل إحداث تأثير

مثّل إعادة تأهيل أحد الأرصفة بطول 2.8 كيلومتر على أحد الشوارع الرئيسية في مدينة نارين أول مشروع من مشاريع "إثبات المفهوم". جاء هذا المشروع استجابة للتآكل طويل الأمد الذي جعل الرصيف غير آمن للاستخدام اليومي، ما اضطر السكان المحليين للسير على الطريق المجاور. وقد أُعيد بناء الرصيف بسطح أملس، مزود بشبكة ري مقاومة للفيضانات، إضافة إلى تركيب إضاءة جديدة تهدف إلى تعزيز السلامة العامة.

أشاد العديد من سكان مدينة نارين بالتغيرات التي طرأت على حياتهم اليومية جرّاء المشروع. قال أحد الأهالي: "كان الرصيف ضيقًا وفي حالة سيئة. الآن، أصبح وصول الأطفال إلى روضة الأطفال القريبة أكثر سهولة، والإضاءة الجديدة أحدثت فرقًا كبيرًا في الليل". وأضاف آخر: "سواء خلال نزهاتنا المسائية أو أثناء الركض الصباحي، لم نعد نشعر بالقلق من حركة السيارات. نشعر بالأمان الآن". كما عبّرت إحدى السيدات المسنات عن ارتياحها بقولها: "بات بإمكان أحفادنا الركض بحرية".

مشروع آخر سيُعاد من خلاله تأهيل حديقة جوساييف، الواقعة في أحد الأحياء الخارجية لمدينة نارين، حيث صُمّمت لتوفير مساحة نظيفة وخضراء وجاذبة للعائلات والأطفال والأنشطة المجتمعية. وتنطلق أعمال البناء في وقت لاحق من هذا العام، وسط توقعات بأن يسهم المشروع في توسيع نطاق الأنشطة الترفيهية وتعزيز قدرة المدينة على التكيف مع التغيرات المناخية.

وفي موازاة مشاريع البنية التحتية الرئيسية، يُقدّم برنامج تعزيز القدرة الحضرية على الصمود في نارين (NURP) تحسينات مستهدفة تهدف إلى تعزيز السلامة العامة والمرونة البيئية. وتشمل تلك التحسينات إنشاء مصائد للسيول في الأودية المجاورة لحماية نحو 200 أسرة من أخطار تدفقات الطين والفيضانات الموسمية، إلى جانب مشروع لتشييد مرفق فرز للنفايات في مكب المدينة البلدي يُتوقع الانتهاء منه بحلول أغسطس 2025. كما يسعى البرنامج إلى حماية نبع المياه الطبيعي الوحيد في نارين، عبر زراعة نحو 2,000 شتلة وإنشاء سياج بالتعاون مع إدارة الغابات.

في أحد أحياء مدينة نارين، تُسهم أعمال إعادة بناء جسر محلي في تحسين مستوى الوصول والسلامة، لا سيما أن الهيكل القديم الضيق ظل يُشكّل خطرًا لفترة طويلة.

يتذكر المقيم كيلديبيك تيميربيكوفيتش قائلًا: "كان عرض الجسر القديم لا يتجاوز 4.5 أمتار، ولم تكن المركبات قادرة على الانعطاف بأمان، بل إن بعضها سقط من الحافة". وأضاف: "الآن، وبدعم من برنامج تعزيز القدرة الحضرية على الصمود في نارين، تجري أعمال إعادة البناء، مع إضافة ممر خاص للمشاة، يوفّر عبورًا آمنًا للأطفال".

يُشكّل بناء القدرات محورًا أساسيًا في تصميم برنامج تعزيز القدرة الحضرية على الصمود في مدينة نارين، حيث تُتيح البرامج المعتمدة حول المرونة الحضرية، وورش العمل، والتدريب العملي في المشاريع، للسكان المحليين فرصة اكتساب المهارات اللازمة لقيادة المبادرات المستقبلية باستقلالية.

أوضح عمربيك قائلًا: "إنهم ليسوا مجرد مستفيدين، بل شركاء حقيقيون، وقد قطعوا شوطًا طويلًا".

مع تبقي عامين على انتهاء المرحلة الحالية للبرنامج، يواصل تركيزه على تعزيز القدرة على الصمود وتحسين جودة الحياة اليومية في مدينة نارين.