بقعة ضوء
5 أسباب تجعلنا بحاجة إلى أشجار المانغروف
كينيا · 12 سبتمبر 2024 · 1 دقائق
صاحب السمو الآغا خان
تُعدّ أشجار المانغروف نباتات مرنة تنمو في المناطق الساحلية حيث تلتقي اليابسة بالبحر، وتلعب دورًا حيويًا في حماية السواحل، وتنقية المياه، وتحسين جودة الهواء. ورغم أهميتها الكبيرة، فإن أكثر من نصف غابات المانغروف في العالم مهددة بسبب الأنشطة البشرية مثل الزراعة وغيرها، بالإضافة إلى تأثيرات التغير المناخي. لذلك، فإن الجهود المبذولة لاستعادة هذه الغابات تعد أمرًا بالغ الأهمية، حيث إن فقدانها يمكن أن يؤدي إلى تدمير النظم البيئية والإضرار بالمجتمعات المحلية. ولحسن الحظ، بدأت دول مثل كينيا ومدغشقر وباكستان باتخاذ خطوات ملموسة لاستعادة وحماية غابات المانغروف.
في عام 2018، سجلت باكستان رقمًا قياسيًا عالميًا بزراعة مليون شتلة من أشجار المانغروف في يوم واحد.
لماذا يعد بقاء أشجار المانغروف أمرًا مهمًا؟
في ظل تزايد خطر الفيضانات الساحلية، تلعب أشجار المانغروف دورًا حاسمًا كخط دفاع أول. فهي قادرة على تقليص عمق الفيضانات الناجمة عن العواصف بنسبة تصل إلى 70%، وخفض ارتفاع موجات الأعاصير إلى النصف، والتخفيف من قوة الأمواج بنسبة تصل إلى 70%، مما يسهم بشكل كبير في إنقاذ الأرواح وحماية سبل العيش.
تعمل الكائنات الحية الدقيقة المتعايشة مع جذور أشجار المانغروف على تعزيز تماسك التربة، بينما تساهم جذورها المتشابكة في تثبيتها بشكل أكثر فعالية. هذا يبطئ تدفق المياه، مما يساعد في الحد من تآكل الشواطئ. من خلال احتجاز الرواسب وتثبيت خط الساحل، تلعب أشجار المانغروف دورًا حيويًا في بناء الأراضي ومقاومة الارتفاع التدريجي في مستوى سطح البحر.
مجلة التقارير العلمية
تُعد أشجار المانغروف مستودعات هائلة للكربون، حيث تخزن كميات من ثاني أكسيد الكربون (CO2) تفوق بخمسة أضعاف ما تخزنه الغابات الاستوائية المطيرة. ما يميزها أيضًا هو بيئتها المالحة الفريدة التي تنتج كميات أقل بكثير من غاز الميثان مقارنةً بالمستنقعات ذات المياه العذبة، مما يجعلها شريكًا حيويًا في مكافحة التغير المناخي.
يعود هذا الدور الفعّال إلى طبيعة تربتها المشبعة بالمياه والفقيرة بالأكسجين، والتي تبطئ تحلل المواد العضوية، ما يؤدي إلى احتجاز الكربون لقرون، وربما لآلاف السنين. ومع ذلك، إذا تعرضت هذه الأشجار للتدمير، فقد يتم إطلاق نحو ست مليارات طن من الكربون، وهو ما يعادل انبعاثات الولايات المتحدة خلال عام كامل.
بالإضافة إلى دورها البيئي، تقدم أشجار المانغروف فوائد مباشرة للمجتمعات المحلية، حيث توفر الظل، تزيد من نسبة الرطوبة، وتساهم في تقليل تلوث الهواء من خلال احتجاز الجزيئات الضارة الناتجة عن العمليات الصناعية.
تخزن غابات المانغروف في موزامبيق ما يصل إلى 39% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري في البلاد.
تدعم أشجار المانغروف بيئة حيوية لنحو 800 مليار من الأسماك واللافقاريات سنويًا، كما توفر موائل طبيعية للطيور والحيوانات، بما في ذلك النمور في بنغلاديش والسلاحف في كمبوديا. هذا التنوع البيولوجي ليس مهمًا فقط لتلك الكائنات، بل هو ضروري أيضًا لصحة واستقرار كوكب الأرض. إذ تُعد النظم البيئية التي تحتوي على مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات أكثر استقرارًا وقدرة على تحمل الضغوط البيئية مثل الآفات والأمراض.
عندما تتعرض الموائل الطبيعية مثل أشجار المانغروف للتدمير، يزداد الاحتكاك بين البشر والحياة البرية، مما يعزز احتمالية تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ. توفر النظم البيئية الصحية حاجزًا طبيعيًا ضد مسببات الأمراض، فتقلل من خطر انتشار الأوبئة مثل كوفيد-19 وإيبولا. لذلك، فإن حماية أشجار المانغروف ليست مجرد مسألة بيئية، بل تُعد جزءًا أساسيًا من الجهود العالمية لحماية الصحة العامة.
تم تسجيل أكثر من 5,700 نوع من النباتات والحيوانات في غابات المانغروف الهندية.
يمكن أن تسهم محطات الصرف الصحي، وجريان الأسمدة إلى الأنهار، وتآكل التربة الزراعية في تكاثر الطحالب. تمتص هذه البقع السامة الأكسجين من المياه، مما يؤدي إلى موت الكائنات البحرية والنباتات.
في هذا السياق، تعمل أشجار المانغروف كمنظومة طبيعية لمعالجة المياه، حيث تمتص النيتروجين والفوسفور والعناصر الأخرى التي تسبب نمو الطحالب المفرطة الناتجة عن المصادر البشرية والطبيعية.
تساعد الكائنات الحية الدقيقة المتعايشة مع جذور أشجار المانغروف في تحليل الملوثات العضوية وغير العضوية، مثل المعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية، مما يسهم في تنقية المياه. تشكل جذور المانغروف شبكة كثيفة تحجز الرواسب والحطام، مما يمنع تدفقها إلى البحر ويقلل الأضرار التي تلحق بالحياة البحرية. بالإضافة إلى ذلك، تعزز أشجار المانغروف نمو الشعاب المرجانية وأحواض الأعشاب البحرية، مما يزيد من التنوع البيولوجي البحري ويحمي الشواطئ من التآكل. بذلك، تسهم أشجار المانغروف بشكل كبير في صحة البيئة من خلال دعم التنوع البيولوجي، احتجاز الكربون، وتوفير الحماية والفوائد الاقتصادية للبشر.
تُعتبر أشجار المانغروف كنوزًا طبيعية غنية بالفوائد. فهي مصدر ثمين للعديد من الموارد، بما في ذلك الأخشاب، الوقود، الفحم، الثمار الصالحة للأكل، والأدوية النباتية. تُستخدم مادة التانين المستخرجة منها في الدباغة وصناعة الصبغات، بينما يدخل قصبها في صناعة الحرف اليدوية مثل الحقائب والسجاد. تشكل جذورها بيئة حاضنة للعديد من الكائنات البحرية، مثل الأسماك والسرطانات، وتوفر فروعها مأوى للطيور ومكانًا لتعشيش النحل. كما تعتبر مرعىً خصبًا للحيوانات البرية مثل المواشي.
من الناحية الاقتصادية، تلعب أشجار المانغروف دورًا حيويًا في تقليل الأضرار الناتجة عن الأعاصير، حيث تتجاوز فوائدها في الحماية من الفيضانات 65 مليار دولار سنويًا.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم هذه الأشجار في تعزيز السياحة البيئية، إذ تجذب الزوار للقيام برحلات بحرية ومراقبة الطيور، مما يدعم الأعمال التجارية المحلية. في ولاية غوجارات بالهند، تعاونت النساء مع مؤسسة الآغا خان (AKF) لإعادة تشجير 20 هكتارًا من الأراضي، واستخدامها لإنتاج علف مستدام للحيوانات والوقود. في كابو ديلغادو بموزمبيق، تتعلم النساء تربية النحل واستعادة أشجار المانغروف، وتحسين مهاراتهن المالية من خلال برنامج "ميل دو مار" (عسل البحر) التابع لمؤسسة الآغا خان، الذي يساعدهن أيضًا على بيع العسل وتشكيل مجموعات الادخار.
أصبحت أشجار المانغروف من الثروات الاقتصادية الحديثة. في كينيا، يعمل سكان خليج غازي على استعادة وحماية ما يكفي من أشجار المانغروف لتحقيق دخل سنوي قدره 12,000 دولار أمريكي من أرصدة الكربون، والتي تُعاد استثماراتها في مشاريع التعليم والرعاية الصحية المحلية. من جهة أخرى، تُقدّر باكستان، التي ضاعفت غطائها من أشجار المانغروف ثلاث مرات على مدى العقود الثلاثة الماضية، أنها ستجني 12 مليار دولار من أرصدة الكربون بحلول عام 2075.
في عام 2023، تعاونت مؤسسة الآغا خان مع المجتمعات المحلية لزراعة أكثر من 604,000 شجرة من أشجار المانغروف، وحماية 4.6 مليون شجرة أُخرى.