كلمة ألقاها ديفيد مولروني, تورنتو، كندا · 20 مايو 2016 · 5 الحد الأدنى
سمو الآغا خان،
صاحب السيادة والمستشار،
معالي الحاكم،
الضيوف الكرام،
السيدات والسادة،
يشرفني اليوم أن أُقدم نبذةً عن سمو الآغا خان، الإمام والزعيم الروحي التاسع والأربعين لمجتمع المسلمين الشيعة الإسماعيليين. يُعد سموّه بالطبع مواطناً فخرياً في هذا البلد، وقد تركت العديد من إسهاماته وعلاقاته أثراً طيباً على طبيعة الحياة وعلى أفراد المجتمع الكندي وصولاً لحفلنا لهذا اليوم.
يتمتع سموّ الآغا خان بالطاقة والحيوية، اللتين تساعداه في تحقيق ما يسعى إليه، وهو يستفيد منهما في تقديم الفائدة ليس فقط للمسلمين الشيعة الإسماعيليين، بل ولمجموعة واسعة من المجتمعات حول العالم، مع إيلاء اهتمامٍ خاصٍ بالفئات الأكثر ضعفاً، ومن المثير للإعجاب أن نتذكر أن سموّه يتحلى بتلك الصفات الرائعة منذ عام 1957.
تتعاون شبكة الآغا خان للتنمية غالباً مع المؤسسات العامة والخاصة في جميع أنحاء العالم لبناء أو إعادة بناء وتعزيز المؤسسات الضرورية للحفاظ على المجتمعات ورعايتها، وهذا يعكس نشاط المجتمع الإسماعيلي، الذي يُعد أعضاؤه أحد عوامل التغيير وصانعي الاختلاف في أجزاء كثيرة من العالم، ومن ضمنها كندا.
يفخر الكنديون بشكل خاص بالروابط التي تربطنا بسمو الآغا خان وبالمجتمع الإسماعيلي، وبالقيم المهمة التي يتحلون بها. إنها رابطة ترجع لعام 1972 إبان حقبة بيير ترودو، عندما وفّرت كندا آنذاك موطناً لآلاف الإسماعيليين الذين طُردوا من أوغندا رغم مساعدتهم ومساهمتهم في بنائها.
وقد ساهم ذلك في حصولنا على الكثير من المكافآت، وأبرزها المساهمات الرائعة والمستمرة التي يقوم فيها المجتمع الإسماعيلي، والتي لها تأثير إيجابي على حياتنا. وكان سمو الآغا خان نفسه أكثر كرماً، الأمر الذي يشهد عليه زوّار متحف الآغا خان هنا في تورنتو.
كما أثنى سموّه علينا بربطنا بكلمة مهمة للغاية: "التعددية". بالنسبة لسموّ الآغا خان، فإن التعددية "إحدى قيمنا الأساسية وشرط لا مفر منه من أجل تحقيق السلام العالمي والمزيد من التنمية البشرية". لقد عزز سموّه وبسخاء العلاقة بين كندا واحترام هذه القيمة من خلال جعل عاصمتنا الوطنية موطناً ومقراً للمركز العالمي للتعددية.
تستمر هذه الهدية في تقديم العطاء، لأن المركز يعمل أيضاً بمثابة تذكير دائم للكنديين بما يمكننا فعله وتقديمه للعالم عندما نكون حقاً في أفضل حالاتنا. يُذكّرنا سموّه من خلال عمل المركز بواجبنا ويلهمنا للقيام بالمزيد.
تعني التعددية بالطبع بالنسبة لسموّه شيئاً أكثر من التنوع بحد ذاته. إن احتفالنا بأهمية ما يجب أن يكون عليه المجتمع البشري ينبع ويرتكز على الإحساس بالإنسانية المشتركة. وكما تُذكُّرنا شبكة الآغا خان للتنمية، فإننا نجد "في التنوع الكبير للجنس البشري علامات تشير إلى الخالق والراعي لكافة المخلوقات".
تنطوي التعددية حتماً على معظم الكلمات الكاثوليكية ومنها: "الترابط" (الشعور بالانتماء أو التقارب).
ويُعد سموّه بمثابة رابطٍ عظيمٍ، فهو باني للجسور قولاً وفعلاً. لقد أعاد، على سبيل المثال، ربط أفغانستان بدورها التقليدي كمفترق طرق للنشاطات التجارية ولحركة الناس، فضلاً عن الاطلاع على الفنون وتبادل الأفكار. وقد تجلى ذلك من خلال بناء جسور متعددة، حيث بفضل سموّه، تم إنشاء روابط بين الشعب الأفغاني وجيرانهم في الشمال.
وتم تحقيق ذلك أيضاً من خلال تنفيذ العديد من المشاريع المُصممة والرامية لإعادة ربط الأفغان بتاريخهم وبمجموعة غنية من الثقافات. يُعد سمو الآغا خان أيضاً من أشد المؤيّدين لشيء يعرفه أصدقاء هذا المعهد جيداً وهو أن الانفتاح على التعلم والثقافة يعيدان ويؤكدان حتماً على الإحساس بالإنسانية المشتركة، والذي يرافقه تقدير متيقّظٌ وواع للعديد من الدلالات والبراهين التي تشير حقاً لخالقنا.
شكّلت هذه الدوافع الطبيعية للتعلم والتواصل والارتباط لعنةً على المتطرفين الذين سيطروا لفترة طويلة على أفغانستان، حيث سعى أولئك الأعداء، الذين لا يعرفون الصفح ويحرصون على منع تحقيق التقدم والتسامح والتعددية، إلى فصل أفغانستان عن جيرانها، إضافةً لفصلها عن تاريخها وصرفها عن مستقبلها.
لقد تسببوا في أضرارٍ جسيمةٍ، لكن سموّه ساعد في إعادة بناء وإحياء مجتمعها المحطّم. هذا وبفضل جهود شبكة الآغا خان للتنمية، تستمر الحياة بالعودة لوادي باميان، حيث يعيش سكان هزارة المتسامحون، ولا سيّما الشيعة أنفسهم، الذين يتمتعون بتاريخ يرجع للعصر الذهبي للبوذية في آسيا الوسطى. وفي مدينة كابول، التي تمزّقت نتيجةً لحربٍ استمرت 30 عاماً، ترسخ الأمل والفخر في ترميم ضريح الإمبراطور بابور والحدائق العظيمة التي تحيط به، ويعود الفضل بذلك مرةً أخرى لسموّه. كان بابور مؤسس إمبراطورية المغول معاصراً للأمراء الطموحين مثل هنري الثامن وفرانسيس الأول. وقد حاصر قندهار في نفس العام الذي حاصر فيه هنري وفرانسيس بعضهما البعض في "ميدان قماشة الذهب".
اسمحوا لي باستعراض ملاحظةٍ شخصيةٍ عن سموّه بوصفه باني للجسور وصلة وصل بين الناس. أثناء خدمتي في بكين، كنت مهتماً بقراءة إحدى خطابات سموّه التي أشار فيها إلى حجم وحيوية المجتمع الإسماعيلي في أقصى غرب الصين. لذلك، سافرت إلى مدينة تاشقورغان للاطلاع على ذلك بنفسي.
لقد كانت تجربةً مؤثرةً للغاية، وكان لها صدى رائع بالنسبة لي ككاثوليكي، حيث التقيت بأناس يمتلئون بالإيمان والأمل والنوايا الحسنة الكبيرة. وقد أعربوا على الفور عن حزنهم للمسافة الكبيرة التي تفصلهم عن إخوانهم وأخواتهم الإسماعيليين وعن سموّه، ولكنهم أظهروا صلةً روحيةً عميقةً وواثقةً بمجتمعهم العالمي. إنهم يمتلكون إيماناً يرفض أن يتم تطويقهم أو عزلهم بحواجز من صنع الإنسان، وهي قناعةٌ راسخة تنبع من شعورهم الحقيقي والمُعلن بأنهم على صلة دائمة مع إمامهم وزعيمهم الروحي.
دعونا نحتفل اليوم بالعلاقة الطيبة والرائعة والعظيمة التي تربطنا بسمو الآغا خان، بطل التعددية، المتجاوز للحدود والحواجز، الحكيم والمُتّصف بحب الخير.