تتطلب القرارات المتعلقة بترميم المواقع التاريخية فهماً عميقاً للهيكل، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التوثيق المعماري والتحليل الهيكلي، فضلاً عن الاطلاع على الأبحاث الأرشيفية ذات الصلة. يمكن لتقنيات المسح الجديدة أن تساعد المؤسسات على إدارة عمليات الترميم في المواقع التاريخية من خلال توفير الرسومات الهندسية والخرائط الدقيقة، التي من شأنها المساعدة في أعمال الترميم الحساسة والإدارة النشطة. يمكن حالياً إجراء عمليات مسح للمواقع – الأمر الذي كان يحتاج في السابق إلى فريقٍ من الباحثين على مدى أسابيع من العمل - في غضون 2-3 أيام، فضلاً عن إمكانية القيام بتطوير نموذج خارجي ثلاثي الأبعاد يتسم بدقة عالية من خلال خوارزميات قوية.

دلهي، الهند: عملية مسح ليزري ثلاثي الأبعاد ومبادرة تجديد المناطق الحضرية في نظام الدين

في دلهي، قبل ترميم ضريح همايون ومتنزه سَنْدر نيرسري، استخدم صندوق الآغا خان للثقافة مسحاً ليزرياً ثلاثي الأبعاد، فضلاً عن القيام بمسح تصويري عبر طائرات من دون طيار للحصول على نماذج مفصلة للغاية وذات دقة فيما يتعلق بالألوان، الأمر الذي من شأنه توفير معلومات حيوية تحدد جميع الأضرار والعيوب والتشوهات التي لحقت بالهياكل. إضافةً إلى ذلك، تم استخدام تقنية أشعة الليزر المرتدة من المبنى للحصول على مجموعة بيانات دقيقة ومعقدة، والتي يمكن استخدامها لإنشاء نماذج صلبة ثلاثية الأبعاد ورسومات دقيقة ثنائية الأبعاد. كانت تلك هي المرة الأولى التي استُخدمت فيها تقنية المسح الليزري في أعمال الترميم في الهند، علماً أنه تم اختراع التقنية أصلاً للكشف عن التسريبات في المنشآت النووية.

بناءً على النجاح الذي حققه العمل الأولي، الأمر الذي أكد عليه خبراء تقييم مستقلون، بدأ الصندوق في المضي قدماً في عملية توثيق معمارية مكثفة ومتعددة الأوجه للقطاعات المتبقية من الجدار. تشكل الوثائق تحدّياً حقيقياً بسبب المتطلبات المادية لعمليات الترميم. توجد الوثائق السابقة الوحيدة للجدار في منشور نُشر عام 1920 بعنوان: "بلاط الفسيفساء في قلعة لاهور" بقلم جيه. بي. فوجل. تم توثيق لوحات بلاط الفسيفساء المصقولة على مدار خمس سنوات من قبل رسامين من البلد الأم، حيث قاموا بتتبع اللوحات يدوياً على الواجهة. وكما كتب فوجل: "لا يمكن الوصول إلى الألواح العلوية على الواجهة التي يبلغ ارتفاعها 16 متراً إلا باستخدام سلالم من الخيزران، وقد تم تنفيذ الأعمال في أشهر الصيف الحارة، ما شكّل مهمة شاقة للغاية." الآن، وبعد قرن من الزمان، تتطلب منهجيات الوثائق المطوّرة وقتاً أقل بكثير، فضلاً عن تقديمها نتائج دقيقة جداً.

تم إجراء تداخل بين الهندسة المعمارية التاريخية التي استُخدمت في الجدار وبين التكنولوجيا الحديثة، وهو أمر نادراً ما تم القيام به في تلك المنطقة. يصور المشروع كيفية توثيق مجمع المغول الأثري المعقد من منظور كلي وصولاً إلى أدق التفاصيل، باستخدام معدات المسح مثل قياس المسافة الإلكترونية الإجمالية للمواقع، فضلاً عن إجراء عملية مسح ليزري ثلاثي الأبعاد ومسح تصويري بطائرة من دون طيار، وقد أوضحت العملية ببساطة كيف أن طريقة التتبع تتم حالياً بواسطة مؤشر ليزري ينبعث من جهاز يوجهه عامل المساحة. تساهم عملية استخراج الغمامة النقطية والتقاطعات السلكية والخطط في مساعدة المهندسين المعماريين على فهم المواد والتقنيات التي استُخدمت في البناء على نحو أفضل، ونتيجةً لذلك، يمكنهم صياغة مقترحات تكون أكثر ملاءمة وذات مصداقية. قام فريق محلي تلقى تدريبات من مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية في باكستان، وهي إحدى المؤسسات التابعة للصندوق (صندوق الآغا خان للثقافة) بإجراء عمليات المسح، الفرصة التي أتاحت إحداث تأثير اجتماعي أعمق على الصعيد المحلي للأفراد المهمشين.

عملية التتبع اليدوي على سلالم الخيزران في حرارة الصيف الحارقة، والتي كانت تستغرق شهوراً من العمل في شبه القارة، لا يتطلب القيام بها الآن سوى بضعة أسابيع من البحث الرقمي باستخدام آلات قياس المسافة الإلكترونية، فضلاً عن التقاط صور ثلاثية الأبعاد للمباني بالكامل عبر عملية مسح ليزري ثلاثي الأبعاد ومن خلال طائرات بدون طيار. يهدف الصندوق إلى إجراء تطوير مستمر لمنهجية التوثيق الرقمي، والعمل على تحسينها مع تبني تقنيات أخرى مفيدة، ومن ضمنها إجراء عمليات المسح بالأشعة تحت الحمراء، لتعزيز عمليات الحفاظ على التراث بدقة أكثر.