كلمة ألقاها السيد فيروز رسول , دار السلام · 6 فبراير 2019 · 8 الحد الأدنى
ضيفة الشرف، سعادة آنا ماكيندا، الرئيسة السابقة للجمعية الوطنية في تنزانيا؛
رئيس المحكمة محمد عثمان؛
أعضاء مجلس الأمناء؛
نائب رئيس الجامعة كارل أمرهين؛
أعضاء الحكومة والسلك الدبلوماسي؛
عمداء وأعضاء هيئة التدريس وموظفي الجامعة؛
الآباء والشركاء والداعمون والمانحون والضيوف الكرام؛
وذوو الأهمية الكبرى: خريجينا:
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم في حفل توزيع الشهادات في جامعة الآغا خان لعام 2019.
نحتفل اليوم بتخرجكم، وبحقٍ أقول: لا يوجد يوم أجمل من يوم توزيع الشهادات، اليوم المفعم بالتفاؤل. وإننا نلمس مشاعر الفخر على الكثير من الوجوه، ونلمس ثقةً تملأ كثيراً من القلوب. ولسان حال الجميع يقول: أخيراً جاء اليوم الذي عملنا لأجله جميعاً.
أيها الخريجون، تجلسون هنا وأنتم محاطون بأسركم وأصدقائكم وزملائكم وأساتذتكم، وتستعدون لتلقي مكافأتكم لقاء الساعات الطويلة التي قضيتموها في الدراسة، ومستعدون لكتابة الفصل التالي في حياتكم ومهنكم.
يعتبر التعليم في جامعة الآغا خان اختباراً صارماً، ما نجم عنه تقديمكم لأفضل مكنوناتكم. لديكم المعرفة والمهارات؛ الثقة والرحمة؛ والقدرة على القيادة اللازمة لإحداث فرق في حياة الآخرين. نيابة عن مجتمع جامعة الآغا خان بأكمله، أود أن أهنئكم جميعاً!
يشكل اليوم معلماً في حياتكم، وعلامة فارقةً أيضاً في تاريخ جامعة الآغا خان.
مع تخريج دُفعة هذا العام، فإننا نكون قد منحنا أكثر من 3 آلاف درجة وشهادة في شرق إفريقيا.
من عيادات المناطق الريفية إلى مستشفى موهيمبيلي الوطني، يقدم زملاؤكم من الخريجين الرعاية المتميزة التي يحتاجها الناس ليعيشوا حياة صحية ومنتجة. يساهمون برفع نوعية التعليم من مرحلة ما قبل الإبتدائي وصولاً إلى المستوى الجامعي، فضلاً عن قيامهم بصياغة سياسات تُسهم في تسريع عملية التنمية في وزارتي الصحة والتعليم في تنزانيا.
يقود الخريجون عملية التغيير في دار السلام، زنجبار، أروشا، متوارا، وفي مناطق المرتفعات الجنوبية وفي كافة المناطق المحيطة.
وهذا يشكّل سبباً حقيقياً للاحتفال، فهو يدل على أن خريجي جامعة الآغا خان هم حقاً "ضوء قوي"، طبقاً لوصف مؤسسنا ومستشارنا، سمو الآغا خان، قبل ثلاثة عقود.
وهو سبب يستدعي تقديم الشكر، وثمة كثر ممن يجب أن نعرب عن امتناننا لهم.
لقد قام المانحون، ولا سيّما مستشارنا سمو الآغا خان، باستثمارات استثنائية في هذه الجامعة، ما مكننا من تقديم الدعم المالي لتعليم طلابنا، إضافةً إلى المساعدة التي يقدمها شركاؤنا في تحقيق مستويات جديدة من التأثير. لقد كرّس أعضاء هيئة التدريس والموظفون أنفسهم بكل إخلاص لتلبية معايير الجودة الدولية الصارمة، ويستحق أفراد عائلات الخريجين تقديراً خاصاً. أعلم أنكم قدمتم تضحيات عديدة لتتمكنوا من رؤية أحبائكم هنا اليوم ولتحتفلوا معهم.
تبدو أعمالنا متواضعة أمام ما يتم تقديمه لنا من كرم وثقة وتفاني.
وإننا ممتنون للغاية لمستشارنا على تأسيس هذه الجامعة قبل 35 عاماً ولتوجيهه تطورها منذ ذلك الحين، وإننا نأمل أن يفخر سموّه بالتأثير الذي نحققه، بالخدمات التي نقدمها، بالجودة التي نحققها، بالقيم التي نتمسك بها، وبالسمعة التي نكتسبها.
أيها الخريجون، يا لها من لحظة مميزة في حياتكم. إنها غنية بالإمكانيات ومليئة بالاستفسارات.
لكنني أعتقد أن ثمة سؤال واحد يخطر على بال كل واحدٍ منكمٍ اليوم وقبل كل شيء، وهذا السؤال هو: كيف يمكنني العيش حياةً مجزيةً وذات أهمية؟
أعني حياة تسهم في تحقيق المهام العظيمة المتمثلة في التغلب على المرض والفقر والجهل، حياةً تمكن الآخرين من متابعة أحلامهم، حياة تستدعي كل المعارف والمهارات التي اكتسبتموها، وتشكل لكم تحدياً لمواصلة التعلم والازدهار.
لستم وحدكم في مواجهة كيفية جعل هذا العالم أكثر عدلاً وازدهاراً، فهذا الأمر نكافح من أجله جميعاً.
في الواقع، إنه أحد الأسئلة التي طرحها المستشار أثناء تأسيس جامعة الآغا خان، وتمعّن فيه بعمق بمساعدة قادة ومفكرين بارزين مثل رئيس جامعة هارفارد.
تشكّل الإجابات التي وضعها المستشار رؤيتنا التأسيسية، وإنني أطلب منكم اليوم أن تنضموا إلي في التفكير في تلك الرؤية، لأنني أعتقد أنه يمكنها مساعدتكم في الإجابة على السؤال الأكثر أهمية: كيف يمكنني إحداث تغيير؟
أولاً وقبل كل شيء، أدرك المستشار أن نمو وانتشار المعرفة يدفعان إلى تحسين رفاهية الإنسان، ورأى أن هذا يعني أن الجامعات بوصفها مولدات للمعرفة ومربية للقادة، لديها إمكانات لا تصدق لتغيير عالمنا نحو الأفضل. في ذلك الوقت، ومع وجود استثناءات مشرّفة طبعاً، كان ثمة عدد قليل نسبياً من الجامعات في العالم النامي تعمل على تقديم ما بوسعها.
وخلص سموّه إلى أن المطلوب هو إيجاد جامعة جديدة بجذور عميقة في العالم النامي، تُكرَّس لتلبية معايير التميز الدولية في التدريس والبحث.
يُمكن لمثل هذه الجامعة أن تكون بذرة لإحداث تغيير واسع النطاق، ويمكن أن تكون نموذجاً يُحتذى به من شأنه إلهام المؤسسات الأخرى على رفع مستوى أدائها. يمكن أن يشير ذلك إلى مستقبل قد تكون فيه مئات الجامعات في العالم النامي، وطبقاً لكلماته، "على حدود المعرفة العلمية والإنسانية، وأن تشكِّل إشعاعاً للذكاء والثقة، وللبحوث والخريجين، وتقود إلى اقتصادات مزدهرة وأنظمة تقدمية قانونية وسياسية".
وكلام سموّه حول ذلك يعبر عن رؤية جريئة.
لكن المستشار سمو الآغا خان لم يمنعه شيء من تحقيق ذلك، ويتضح اليوم مدى صوابه في المثابرة.
تعمل جامعة الآغا خان يومياً على تحسين نوعية الحياة لشعب تنزانيا، وتساعد الحكومة على تحقيق أهدافها في مجالي الصحة والتعليم.
زودت برامج التطوير المهني لدينا ما يقرب من 3 آلاف من المعلمين والمدرسين في تنزانيا باستراتيجيات جديدة لتعزيز التعليم والتعلم، واستفاد منها أكثر من 100 ألف طالب. وإننا نعمل بجد لتطوير دبلوم جديد في التعليم لدعم هدف الحكومة المتمثل في رفع مستوى معلمي المدارس الإبتدائية.
في موانزا، نتعاون مع المرافق الصحية الحكومية ووكالات زميلة في شبكة الآغا خان للتنمية من أجل تحسين الصحة لأكثر من 700 ألف من النساء والأطفال.
لقد زرنا في الآونة الأخيرة العشرات من خريجي التمريض لدينا في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك العديد من العاملين في القطاع العام، واستمعنا كيف أن قيادتهم تسهم في تحسين صحة مجتمعاتهم.
تحدثنا مع أحد كبار مسؤولي التمريض، ومدير كلية التمريض، ومدير التمريض في مستشفى الإحالة الإقليمي، والعديد غيرهم، واستمعنا كيف أنهم خفّضوا من معدل الوفيات في المستشفى، وزاد عدد النساء اللواتي يلدن في المرافق الصحية، فضلاً عن مساعدتهم في وضع قوانين جديدة في التمريض، إضافةً إلى أمور كثيرة.
وكما ذكر أحد خريجي جامعتنا، وأقتبس كلامه: "لقد تعلمنا أن نكون شجعاناً، وأن نتحدى الأشياء، وأن نسأل دائماً ما ستكون النتيجة إذا فعلنا الأشياء بطريقة مختلفة".
يسعدني أن أبلغكم أن جودة التعليم في جامعة الآغا خان قد تأكدت من خلال الأخبار الأخيرة التي تفيد بأن أحد خريجينا من معهد تطوير التعليم في دار السلام حصل على "جائزة معلم العام" في كينيا لعام 2018. والأكثر من ذلك، أنه للمرة الثانية، تم وصول أحد خريجي جامعة الآغا خان لنهائيات "جائزة المعلم العالمية" التي تبلغ قيمتها مليون دولار، وهذا مصدر فخر كبير لنا.
أيها الخريجون، تبرز عدة مبادئ ذات حيوية خاصة من هذا التاريخ، وإنني أحثكم على النظر فيها عن كثب.
أولها: الجرأة فضيلة. لإحداث تغيير دائم، يجب أن تكونوا على استعداد للسباحة ضد المد والجزر في المياه المجهولة، فالإنجازات العظيمة تُولد بفعل الطموح الجريء، وهذا هو النوع الذي أخرج الجامعة إلى حيز الوجود.
ثانيها: تأثير محركات التميز. يُعد التميز، أكثر من الرفاهية، قوة تحويلية تتسم بالقدرة على تحسين حياة الجميع.
ثمة دعامة أخرى للرؤية التأسيسية التي أعتقد أنها تمتلك أهمية خاصة في حياتكم اليوم.
نرى في جميع أنحاء العالم جهوداً ترمي لإذكاء الصراع عبر تأليب مجموعات مختلفة ضد بعضها البعض.
وعلى النقيض من ذلك، ظلت هذه الجامعة دائماً تؤيد مبدأ أن كل شخص يستحق الوصول إلى الفرص، بغض النظر عن العقيدة أو العرق أو الإثنية أو الجنسية أو الجنس أو الوضع الإجتماعي والإقتصادي. وإننا لهذا السبب، نقدم المساعدة المالية للمحتاجين، على سبيل المثال، بحيث يمكن للطلاب من أوسع مجموعة ممكنة من الخلفيات التعلم في جامعة الآغا خان.
لذلك، أحثكم ألا تركزوا على مجموعة الاختلافات التي تفصل عناصر مجموعة ما بعضها عن بعض، وأن تركّزوا بدلاً عن ذلك على إنسانيتنا المشتركة. إنني أحثكم على تجاوز الحدود وأن تعملوا مع جميع الأطياف من أجل تحسين حياة الناس، ولا سيّما المحرومين.
بمعنى آخر: كونوا موحّدين، ولا تكونوا مقسّمين.
إن المبدأ الأخير الذي سأذكره قد ذكره مستشارنا سمو الآغا خان قبل ثلاثة عقود.
قال: "يجب أن تسعى الجامعات لأن تُحلّق عالياً لترى ما هو أبعد من آفاقنا الحالية. يجب عليها تحديد الاتجاهات الحالية التي من المحتمل أن تقود نحو إحداث تغييرات كبيرة، وتساهم في تحفيز التفكير حول آثارها مسبقاً".
اسمحوا لي أن أقتبس ذلك مرةً أخرى: "أن نحلق عالياً، وأن ننظر إلى ما وراء آفاقنا الحالية".
هذا هو بالضبط ما تحاول جامعة الآغا خان القيام به، وما نراه عبارة عن عالم مليء بالقضايا الكبيرة والمتعددة والمترابطة، عالم يتطلب جامعة متعددة التخصصات حقاً ومساوية لحجم وتعقيد المشكلات التي تواجهها.
وبالتالي، لدينا خطط لإنشاء كلية الآداب والعلوم لتوفير تعليم جامعي واسع النطاق، والذي من شأنه إعداد الطلاب للقيادة في مجالات متعددة. إننا نقوم بتثقيف الصحفيين والمراسلين في كلية الدراسات العليا للإعلام والاتصالات لدينا، وهي الأولى من ضمن عدد من كليات الدراسات العليا المهنية الجديدة التي نقوم بتطويرها. يقدم معهد شرق إفريقيا رؤىً لتشكيل المحادثات حول قضايا السياسة العامة. كما يُجري معهد التنمية البشرية أبحاثاً تهدف إلى ضمان نمو كل طفل إلى أقصى إمكاناته، في حين يقوم مركز التميز في صحة المرأة والطفل بتعزيز الأنظمة الصحية المتعلقة بأكثر النساء والأطفال ضعفاً في شرق إفريقيا.
أيها الخريجون، في عالم دائم التطور، يجب عليكم أيضاً أن تحلّقوا عالياً وتنظروا للبعيد. يجب عليكم أن تتوقعوا، وتتكيفوا، وتشكلوا مساراً للتغيير.
أثناء قيامكم بالتخطيط لمساركم الفريد في الحياة، فإنني أشجعكم على النظر إلى رؤيتنا التأسيسية للحصول على الإلهام.
كونوا جريئين، وتابعوا التميز. وكونوا موحدين، وتطلعوا نحو الغد، وكونوا مستعدين للتصرف.
أيها الخريجون، هذا ليس وداعاً. إنكم تنضمون اليوم إلى مجتمع خريجي جامعة الآغا خان، وهي شبكة تضم الآلاف من ممثلي التغيير الذين يمتدون عبر البلاد والمنطقة والعالم. إنني أحثكم على البقاء على اتصال مع زملائكم في الفصل الدراسي ومع جامعتكم، وأن تبحثوا عن زملائكم الخريجين للحصول على المشورة والتعاون.
قصتكم جزء من قصة الجامعة، وإن رؤيتنا التأسيسية ستجد إنجازاتها من خلال إنجازاتكم.
لا يمكننا الانتظار حتى نرى كيف سيُضيء نوركم عالم اليوم.
شكراً جزيلاً لكم.